منظمة التجارة ومتاجر التطبيقات.. وأنت
منظمة التجارة العالمية هي منظمة عالمية مقرها يقع في جنيف ، مهمتها الأساسية هي ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية. وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول. تهدف هذه المنظمة إلى إقامة عالم إقتصادي يسوده السلام بين المستهلك والمنتج يوفر جو تنافسي بين الدول وحماية للسوق وملائمة مختلف المستويات المعيشية. كما ترعى الإتفاقيات الإستثمارية وتحقيق التوظيف الكامل لموارد الأرض.
طبعا النقاط جميلة وغاية في الأهمية ولا يختلف عليها إثنان. لكن الممارسات تجعل من الإتفاقيات العالمية هذه وسيلة للافتراس. فبحسب قاعدة الذوبان في الكيمياء فان المذاب يختفي بين طيات المذيب.
فاشتراط المنظمة خفض الرسوم الجمركية وتغيير بعض القوانين المحلية للدول ليتوافقا مع قوانينها في سبيل تيسير تسويق المنتجات العالمية تقتل المنتجات المحلية. واتفاقياتها صيغت بطريقة تخدم الدول المصنعة الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات للوصول لكافة الدول بيسر فيقضى على الصناعات الصغيرة التي لن تستطيع المنافسة لا بالسعر ولا بالجودة ولا بالكمية.ازدواجية المعايير والتعريفات تنهك الصناعات التقليدية في البلدان النامية وتغمر أسواقها بمنتجات الدول الكبرى تلك. نعم أكثر من يتأثر من هذه الإتفاقيات هي الدول النامية والفقيرة التي لا تستطيع العيش خارج هذه الإتفاقية منعزلة ولا العيش في ظلها ضعيفة ومستهلكة غير قادرة على الوقوف والتطور.
الجمعيات والمنظمات المتعلقة بالرياضة والصحافة والتصوير وغيرها من الهوايات والممارسات كلها نماذج منسوخة لنفس الفكرة على مستوى دول أو نقابات أو أفراد. أهدافها سامية، ظاهر نتائجها ممتازة، أما عن ممارساتها فهي لا تخدم الدول الفقيرة ولا الأفراد. وتساعد بطريقة أخرى لاستغلالها –كما يراه المحللون. العمل خارجها لا يبرزك ولا ينمي مواهبك ولا يعطيها قيمتها المفترضة. والعمل ضمن إطارها يغرقك في عالمهم ويؤطر عملك بإطارهم.
مثال آخر بعيد عن تلك المنظمات كلياً هو متاجر التطبيقات، متاجر التطبيقات كمتجر جوجل وسوق التطبيقات لأبل وغيرهما هم تجمع كبير لكافة الشركات والأفراد من مختلف أنحاء العالم لبيع وتسويق التطبيقات. تشجع على التنافس. توفر مستوى أمان وحماية للمنتج والمستهلك. تقدم خدمات. ومعاملاتها التجارية بملايين الدولارات.
ولا زالت التوصيفات تشابه توصيفات منظمة التجارة العالمية. فكمُنتِج للتطبيقات –فرد أو شركة- من دولة نامية وبميزانية محمدودة أنا غير قادر على منافسة شركات العالم أجمع لأبرز تطبيقاتي بينهم لعدم تكافؤ الفرص. كمُنتِج مبتدئ لا أمتلك إمكانيات كبيرة لتسويق منتجي مثلما تفعل الشركات العالمية المنافسة لي التي تدفع لتلك المتاجر مبالغ لاقتراح تطبيقاتي على المستخدمين وتمييزها عن بقية التطبيقات وزيادة عدد مرات التنزيل ليرتفع تقييم التطبيق. كمنتج أنا غير قادر على دفع مبالغ مالية لتتكفل تلك المتاجر بتسويق تطبيقاتي لاستهداف المستهلكين الذين اتطلع إليهم ولدفعهم لتحميله واستخدامه. كمُنتِج أنا عاجرعلى تحقيق أرباح حتى مع ما يتيحون لي من حرية عرضه وتسويقه. كمُنتِج، إن اخترت تسويق تطبيقي خارج هذه الأسواق فقد حكمت على تطبيقي بالفشل. حيث ستصنف أنظمة الهواتف التابعة لملاك متاجر التطبيقات على أنه غير آمن. ومن خلال الإعدادات الافتراضية قد يجد مستخدموا تطبيقي صعوبة في تنزيله. واذا تم تنزيله فهم لا يدعمونه بتحديثه المباشر وغيرها من الخدمات. وإن اخترت أن أضم تطبيقي لمتاجرهم فبالاضافة الى الرسوم التي أدفعها والنسبة التي يطلبونها مني من كل بيع فاني ملزم بشروطهم العديدة. والتي أهمها تسليم كافة أسرار التطبيق لهم بأكواده. كمُنتِج بسيط لا بد أن أقدم ما هو أفضل من كافة المنافسين العالميين أو لن أجد مستخدم لها. كمُنتِج مبدع مبتكر وقدمت ما هو جديد إما أن أبيع منتجي لشركات كبرى لأنه تتم متابعة حركة المنتجات وأفكارها قبل الموافقة على عرضها في المتجر وإما إني لن أستطيع مواجهتهم وسأفشل.
وكمستهلك حتى لو قمت بضبط كافة الاعدادات فلا أأمن من التطبيقات التي تخالف انسانيتنا ومعتقداتنا وموروثاتنا الاجتماعية وبالذات التطبيقات الموجهة للأطفال والمراهقين. وهي تخالف قوانيننا المحلية وقناعاتنا وأعرافنا. كمستهلك يصعب التعرف على التطبيقات الخبيثة المضرة بنا وبأجهزتنا. كمستهلك أجد نفسي ضحية بتسليمي كافة بياناتي التفصيلية وبيانات أهلي وأصدقائي وتواصلي معهم لهم ليستغلوها في التسويق ولتقوية خدماتهم وتثبيت وانجاح متاجرهم. كمستهلك ليس لي أن أبقى بعيدا عن هذه المتاجر فهي تأتي مع أنظمة التشغيل ولا يمكن حذفها. ولا يمكنني الاستفادة من هاتفي من دونها. كما لا أستطيع التعامل مع غيرها من متاجر لأنهم يستغلوننا كذلك عن طريق عرض نسخ تنتهك خصوصيتي وتتجسس علي.
لا توجد بيئة من دون منغصات، لا يوجد مجتمع خال من المستغلين. هذا لا يعني عدم إمكانية تحقيق نجاحات، وأن هناك سياسات تستطيع تجاوز التحديات وتحقيق النجاح والتقدم. تستطيع تغيير حياتك ان استطعت رسم السياسة الصحيحة. وتستطيع المحافظة على هويتك مع ما تحمله البيئة من سلبيات، وقصص النجاح كثيرة. إن كنت طموحا ومبدعاً إما أن تكون معهم بقوانينهم، أو أن تغرد خارج السرب. ولكل ضريبته. أو أن تكون قوياً بما يكفي لصنع تجمعك الخاص. لكن تأكد من رسم سياستك التي تحفظ حقك وتصنع نجاحك وضع بصماتك في أي مسار تختاره.