دوري تكنولوجي
اعتدنا على أخبار الدوري الإسباني لكرة القدم، واعتدنا على الحديث حول الصراع بين الفريقين الغريمين فيه، برشلونة وريال مدريد. لم يعد مهم أن تعرف أخبار الدوري المحلي ولا أخبار فرقه. لم يعد مهماً أن تكون أنت رياضياً أم صاحب كرشة أم من أولئك الذين يلبسون النظارات وربطات العنق ويعملون على المكاتب.. وليس مهما أن تكون صاحب جدول أعمال مكتظ أو عاطل.. كل المهم أن تعرف أخبار نجاحات الفريقين الغريمين أو اخفاقاتهما.. ببساطة لأنك ستكون خارج السرب إن لم تهتم.
وجود اهتمام لدوري “عالمي” لكرة القدم وإثارة العصبية فيه لأحد الفريقين.. هو مكسب اقتصادي بحد ذاته لكلا الفريقين ولرعاة الدوري وللقنوات الناقلة له وللمبيعات من الألبسة وغيرها المتعلقة بهذين الناديين.
الحال نفسه يتكرر مع الصراع التكنولوجي، فلا ينكر أحد وجود غريمين قويين في مجال الهواتف، وأعني هنا بالعملاقين سامسونج وأبل.. ووجود صراع تقني قوي في مجال مشغلي أجهزة الحواسيب بين العملاقين مايكروسوفت وأبل من جديد.
نعم، مجرد وجود صراع تقني.. يجعل من الشركات المتنافسة تستقطب اهتمام ليس المتخصصين فقط في التكنولوجيا، وليس المستخدمين الراغبين في اقتناء الأجهزة. بل يستقطب حتى ذلك الشيخ الذي يتكئ بعكازه ويبتسم من دون أسنان بعد تساقطها إثر تقدمه في العمر. وتستقطب حتى ذلك الطفل الذي لا تفرِّق في كلامه بين الثين والسين.
ولكي تنجح الشركة في استمالة العدد الأكبر، عليها أن تبدع.. أو تشتري براءات اختراع كثيرة، وتستحوذ على شركات في مجال انتاج قطع غيار وإكسسوارات أو انتاج برمجيات تساعدها على التقدم على منافستها. حالها حال النوادي في الدوريات “العالمية”. تسرق النجوم وتشتري شركات تسويق لصنع إنجازاتها.
لا يؤثر كثيراً المقارنة التقنية مثلاً بين هواتف سامسونج أو أبل. فالمسألة صارت للعوام مسألة تعصب للشركة هذه أو تلك. بالضبط حالها حال كرة القدم. فلن يقل عدد مشجعي الفريق هذا بخسارة مباراة أو دوري أو كأس. فعملية الثأر مستمرة. لم يعد أحد يسأل بالمرة ما هي احتياجاتي أو ما هو الجهاز الأنسب لاستخدامي. فالجميع يسأل ما هو أفضل جهاز فيقتنيه. هذا ما يقود البعض لشراء إكسسوارات ومقتنيات تتعلق بالمنتج دون الحاجة الفعلية لاقتنائها. هذا التعصب يقود البعض لاستبدال هاتفه بشكل دوري واستحداثه وهو يعلم بأن الجهاز القديم لم يتعطل وبحالة جيدة.
لن تجد شركات التكنولوجيا جمهور عريض يدفعها لبذل المال الأكبر للتطوير مهما بلغت كلفة المنتج النهائي مثل الجمهور الحالي. واقعاً أن 300 دينار بحريني مثلاً كثيرة جداً على هاتف نقال. و800 دينار بحريني لحاسب آلي هو عين البذخ والإسراف. لكن عندما تجد الشركات من يتسابق لاقتناء هذه الأجهزة بهذا السعر وأكثر. ويحجز المنتج قبل حتى الإعلان الرسمي عنه.. وعندما تجد من يسوق لها منتجاتها من جمهورها هذا عن طريق التباهي بهذه التقنيات فيحق لها أن ترفع من قيمة التكنولوجيا التي تقدمه تلك الشركات.
من الجيد أن نرى كثرة المتابعين من العوام لمؤتمرات أبل وسامسونج ومايكروسوفت وجوجل. وانتظار الإعلان عن الجديد لما تقدمه تلك الشركات. لكن التكنولوجيا نفسها التي تقدمها الشركات هذه في المؤتمر تحتاج لفترة ليست قصيرة لكي تظهر أهميتها بعد أن يقوم المطورون من جميع أنحاء العالم بإنتاج برمجيات تستغل تلك الإمكانيات بشكل جيد. وحتى يتم تداول تلك التكنولوجيا ويتم توفير متطلباتها في الواقع، فان الشركات الأخرى تقوم بتوفير نفس تلك التقنيات وبسعر أقل من النصف مع جودة في المنتج.
فهنيئا للبرشلونيين والمدريديين عفواً.. للأبليين وللسامسونجيين وللجوجليين تلك التكنولوجيا المتطورة. وهنيئا لمن يكون حكيماً ومتزناً في شرائه واقتنائه.