مهندس البرمجيات في البحرين
نسمع كثيراً عن تخصصات الهندسة الكثيرة. والتي يتنافس فيها المتنافسون فيبدعون في جميع تخصصاتهم. في البحرين، يوجد المهندس المدني والمعماري والميكانيكي والكيميائي وغيرها من التخصصات. ومع تفاوت مستويات حاجة السوق لهم إلا إني أنظر لمظلومية مهندس البرمجيات بينهم.
فهو حتى لا يعترف به كأحد مجالات الهندسة. ففي وزارات الدولة يوجد سلم وظيفي خاص بالمهندسين وأحيانا علاوات خاصة بهم.. إلا أن مهندس البرمجيات ليس من بين أولئك. بل قد يستكثرون عليه مسمى “الباش مهندس” كما يطلقه الأخوة المصريين على المهندسين. لأكون منصفاً أحيانا يتم إطلاق اسم مهندس على مهندس الشبكات. لكن لم أسمع حتى الآن بمهندس للبرمجيات كمسمى رسمي.
لن أتحدث عن الوزارات والقطاع الحكومي الآن ولا حتى عن الشركات الكبيرة التي لديها قسم للبرمجيات، سأتحدث عن الشركات المتخصصة بإنتاج البرمجيات في البحرين. فكثير من الشركات تنظر الى المبرمج وإلى المصمم على أنهما منتجين. وتضع لهما المعايير والمهارات التي على أساسها يتم توظيفهما. ولكنهم يتجاهلون مهام مهندس البرمجيات. قد يزداد عدد المبرمجين في الشركة. ويختارون أمهرهم ليكون قائد مجموعة أو مبرمج أول. بينما لا يعيرون لهندسة البرمجيات أية أهمية. الكثير منهم يتجاهل وظيفة “مهندس البرمجيات”. اذ يعتبرونه ثقلاً على ميزانيات الشركات. فهو ليس منتجاً كالمبرمج.
لست متخصصا في الهندسة المعمارية، لكني أتسائل.. هل بإمكان موظفي البناء القيام بأعمال البناء دون اللجوء لمهندس؟ واقعاً عندما يكون البناء صغيراً فانه قد يكون من العبث الرجوع لمهندس.. لكن عندما يتعلق الأمر ببناء منزلا متكاملاً فمن الجنون البناء دون الرجوع للمهندس. فتكلفة الإصلاح بعد البناء وتكلفة التعديلات لاحقاً ستفوق بكثير تكلفة اللجوء الى استشاري هندسي. ناهيك انه من المستحيل لموظفي البناء مهما كانت مهاراتهم أن يستطيعوا بناء عمارات وناطحات سحب. والمثل بالمثل.. عندما يتعلق الأمر ببرمجية صغيرة فان المهارات التي يمتلكها المبرمج تكفي. لكن عندما نفكر بمستقبل هذه البرمجية.. وبطريقة توسعها ودمجها وتكاملها مع برمجيات أخرى. وعندما نفكر باستخراج تقارير متقدمة وبخيارات متقدمة، فان العملية تستحق أن تسند إلى مهندس برمجيات.
كنت أستغرب فعلا عندما أجد منتج مفتوح المصدر يعتمد في بنائه بالكامل على مطورين من جميع أنحاء العالم. كيف لهم أن يتفقوا رغم اختلافات ثقافاتهم وميولهم على تفاصيل تفاصيل المنتج. وكيف يأخذ المنتج مجراه في التطور والتوسع بثبات من إصدار لآخر. وكيف أن لهذا المنتج أن يخدم الملايين في جميع دول العالم دون مشاكل جدية. حقيقة لا أتفاجأ بهذه النجاحات اذا ما وجد مهندس برمجيات “شاطر” يدير المنتج من خلف الكواليس. فبعض المنتجات لها خارطة طريق واضحة للاصدارات القادمة والتغييرات القادمة. والخط الزمني لهذه التغيرات والاصدارات. ويقدر مدى سرعة البرمجية على الأجهزة المتعارفة والمساحة التي ستستهلكها من الذاكرة الرام وبعض النقاط التي قد يغفل عن مراعاتها المبرمج.
للأسف، هناك من ينظر لجمالية المباني المرتفعة وينظم المعارض لمهندسيها.. لكن لا يوجد متذوق لروعة بناء مهندسي البرمجيات وجماليات أعمالهم الفذة. بل لا يوجد من يعترف بهم أحياناً.