تسويق العلم
توجد بعض التطبيقات التي من شأنها أن تحدد لها مجال اهتماماتك، لتقوم هي بجمع كل المقالات والدراسات الحديثة المتعلقة بها، وتعرضها عليك. فهي تختصر الكثير من الوقت والجهد لوصول كل طالب للحكمة لمظانها.
ما لفت انتباهي من خلال مقالاتهم في جميع مجالات اهتمامي أنها لا تكتفي بنقل الخبر أو تحليله. ولا تكتفي بعرض نتائج الدراسة وأثرها. بل كثيراً ما يتم الاهتمام بعملية تسويق العلم. أو فلنقل توجيه العامة والمهتمين إلى أهمية هذا المجال من العلم ومدى فائدته. لكن لأن ديدنهم الأساس هو سوق العمل وعالم الأعمل، فانهم يركزون كثيراً على مستقبل هذا العلم في عالم الأعمال ومدى حاجة الشركات اليه وكم سيكون المردود من وراء اتقان فنون هذا العلم.
يهتمون أكثر في رأس المال الذي يستثمر في هذا المجال من العلم، عدد الوظائف التي تحتاجها السوق، مقدار الرواتب التي تدفع لمحترفين في هذا المجال. يهتمون للمكاسب الممكن جنيها من هذا العلم. يتحدثون في المقابل على نسب نجاح الاستثمار في هذا العلم وقصص النجاح للشركات التي خصصت وظائف في هذا المجال واعتمدت على مخرجاته. فهم يسوقون العلم للمتعلمين والمتدربين من جهة، ولأصحاب المال والمستثمرين من جهة أخرى.
كما يتم إعطاء تسميات أكثر مقبولية وأكثر جاذبية لبعض العلوم في سبيل استقطاب اهتمام كافة الأطراف ونجاح حملاتهم التسويقية. فمثلا علم كعلم استنباط البيانات (data mining) صار يسمى بالبيانات الكبيرة (big data) في حملاتهم التسويقية لهذا العلم حتى بات يعرف به. وصار يجتزأ ليسمى بالذكاء التجاري أو ذكاء الأعمال (business intelligence) ليتناغم مع المسامع ويلفت الأذهان إليه في مجال الأعمال.
لا أريد القفز بعيداً عن هذه الأجواء لأبدأ الحديث عن واقع بلداننا. فهي بعيدة كل البعد عن الاستثمار في هذا المجال والتشجيع على العلم والتسويق إليه. بل ربما عكس ذلك. فنجد إن جميع مصادر العلم تجفف عن طريق اغلاق بعض الجامعات المحلية وسحب رخص الكثير من المكاتب التي تبتعث المتعلمين للخارج ووضع قيود عليهم كما أن الجامعات الخارجية الأكثر اقبالاً من قبل المتعلمين المحليين تم رفع اعتماد شهاداتها. وحتى الجامعات الموجودة وضعت قيود كبيرة لطرحها برامج للدراسات العليا.
وبعيداً عن الجهات الرسمية فإن تسويق البرامج الاحترافية هذه لا لأن هذه البرامج تحقق عائداً مالياً أو تغذي سوق العمل باحتياجاته. بل لأن المعاهد المعنية تريد تسويق برامجها. بينما السوق تغذي حاجاتها من العمالة الخارجية. عملية تثبيت فكرة إن احتراف أي تخصص علمي من عدمه سيان ولا يقدمان ولا يؤخران في مسألة تحسين ظروف الدارس المادية هي عملية معاكسة لمسألة تسويق العلم. أو فلنقل إنه تسويق سلبي وتسطيح العلم وتأسيس لفكرة التجهيل في المجتمع.
البحث عن الربح السريع وعدم الاستثمار البعيد المدى هو ما يجعل من السوق لا تستثمر في العلم. وعليه نجد شح في تسويق العلوم. ويبقى المجتمع البحريني محب للعلم والدراسة دون أن يتم تسويق العلم له.