المعلم الآلي
عكف أحد معلمي إحدى الجامعات على تعليم مادة الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لعشرين سنة. خلال فترة تعليمه كان يتيح للمتعلمين والمتدربين المشاركة في منتدى إلكتروني ينشئه لكل مقرر بغرض الاستفسار والمتابعة والاطلاع على ما هو جديد. اكتشف هذا المعلم أن آلاف الأسئلة تطرح في كل فصل. معظمها يتكرر لكن بصيغ مختلفة. ويحتاج لوقت كبير في الإجابة على استفساراتهم أو حسم نقاشاتهم. وكان يبذل مجهوداً كبيراً مع كل مجموعة جديدة. ومع تراكم المجموعات وتراكم المشاركات في المنتدى، فكر أن يوظف ما يقوم بتعليمه من تقنيات للذكاء الاصطناعي في إنشاء برنامج (نظام) يستفيد من الكم الهائل من المشاركات السابقة للدورات السابقة في المنتديات لتكون مادة أولية ليتعلم منها النظام ليجيب لاحقاً على الأسئلة المطروحة من المتدربين معتمداً على تحليل المادة العلمية التي يقوم بتدريسها والمشاركات والاستفسارات والردود في الموقع مستفيدا من تقنيات البرمجة العصبية اللغوية NLP وتقنيات الأنظمة الخبيرة، فيسهل بعدها على النظام الرد الآلي على استفسارات المتدربين والمتعلمين في الدورات التي سيقوم بتقديمها هذا المعلم.
ولتأخذ تجربته حقها قام بإخفاء اسم صاحب الردود الآلية. ولم يخبر أي طالب لديه بأن من يقوم بالرد هو “الآلة” من خلال النظام الذي طوره بنفسه.
وبعد انتهاء الدورة التدريبية أجرى استفتاء لطلبته يقيمون فيها ردود ذلك “الشخص” المجهول لديهم. فكان انطباعهم إيجابي جداً. ثم تفاجؤوا عندما علموا أن “المعلم الآلي” هو من كان يقوم بالردود عليهم واجابتهم.
هذا بالضبط ما كنت أتمناه لمناهجنا الدراسية كذلك في شتى موادها ومختلف مراحلها. حيث أن التقنية الحديثة لم تعد مجرد وسيلة لإيصال المعلومة أو طريقة لعرضها والتفاعل معها. بل أن لها القدرة على إدارة العملية التعليمية بنطاق أوسع من ذلك وبنسبة نجاح كبيرة.
نظام البحث لجوجل مثلاً، يستطيع استخلاص الإجابة لسؤالك الذي تبحث عنه من مواقع الانترنت وليس فقط عرض النتيجة. فمثلاً لو بحثت عن تعريف أحد المصطلحات العلمية. فانه لا يعرض لك فقط المواقع التي تتحدث عن هذا المصطلح. بل يستطيع عرض إجابة على سؤالك ويدعمها بعرض مواقع تتناول الموضوع نفسه.
نظام البحث العام لجوجل وغيره تنطبق عليه مواصفات البحث في النطاقات المفتوحة (open domain). بينما ما نحتاجه للتعليم هي تقنية البحث في النطاقات المغلقة (closed domain). وفي هذه الحالة تكون عادة عملية تعليم الآلة أسهل بكثير. لأن عملية البحث عن الإجابات والرد تكون محصورة بمناهج وكتب ومواضيع ومراجع وأسئلة محددة ومحدودة مقارنة بعالم الانترنت المفتوح. وبالتالي نسبة النجاح الآلة في الإجابة الصحيحة على كل سؤال تكون نسبة أكبر. وهذه الأنظمة تسمى الأنظمة الخبيرة التي من الممكن أن تتعلم عن طريق تجربتها وكثرة استخدامها.
فمتى تنتج وزارات التعليم في بلداننا مثل هذه الأنظمة وتستخدم هذه التقنيات لما فيها من الأثر الكبير حتماً في تيسير عملية التعليم للمعلمين وللطلبة وحتى لأولياء الأمور؟