الأمطار والبيانات المتعددة الأبعاد
إعتدنا على مشاهدة الأبعاد المتعددة (2D و 3D و4D) في الأفلام وفي بعض التطبيقات على الهواتف والحواسيب. وإعتدنا رؤية المباني الهندسية الكبيرة قبل الشروع في بنائها بالأبعاد الثلاثية لتقريب الصورة النهائية المفترضة للمبنى وتوضيحها للعملاء وعموم الناس. لكن هل بيانات المؤسسات اليومية يمكن لها أن تكون ذات أبعاد متعددة أيضا؟
البيانات تتم إدخالها بشكل دائم من قبل كل مؤسسة. سواء كانت المؤسسة تجارية أو تعليمية أو أيا كان نشاطها. ونقصد بالبيانات هي تلك الأعمال الروتينية للمؤسسة. مثلاً في المؤسسات التجارية يتم تسجيل بيانات السلع والخدمات وعملائهم والمبيعات والمخزون والإيرادات والمصروفات وما سواها. وبالنسبة للمؤسسات التعليمية كمثال آخر يتم تسجيل بيانات الطلاب وحضورهم ودرجاتهم في كافة المواد وما سواها. ولمن لديه القليل من الخبرة فإنه يعلم بأن هذه البيانات يتم تخزينها في جداول في قاعدة البيانات. هذه الجداول تتكون من أعمدة وصفوف. وبالتالي فهي بيانات 2D فقط. لكن هل توجد أبعاد أخرى يمكن إضافتها للبيانات؟
واقعا لا توجد لدى الحواسيب وأنظمتها حدوداً لتلك الأبعاد. فالأبعاد المتعلقة بالبيانات ليس المقصود منها طريقة تخزينها كالجداول بقدر ما نقصد منها طريقة صف وترتيب تلك البيانات المأخوذة من الجداول العادية بهدف الوصول لنتائج إحصائية ولإستخلاص معلومات جديدة تماماً. والأبعاد تتغير بحسب حاجة كل مؤسسة. فهي طريقة يتم من خلالها تجميع البيانات وفق عناوين محددة وترتيبها للوصول لنتائج جديدة لا يمكن للجداول الروتينية في قاعدة البيانات التوصل إليها. فهي تفتح أبواباً واسعة لكل مؤسسة لتساعدهم في تحقيق أهدافهم وإدارة أنشطتهم بشكل مثالي. وتستخدم كثيراً في أنظمة دعم القرار. نعم لا زال المفهوم غامضاً لكن ليس بعد تطبيقها على أمثلة.
ففي المثال الأول ذكرنا أن المؤسسات تجمع بيانات المبيعات والسلع والزبائن والعروض المقدمة. الجديد الذي يمكن للأبعاد المتعددة للبيانات أن تقدمه هو الإجابة على أسئلة كهذه.. ما الذي قدمه العرض الترويجي للشركة؟ وكم أستفادت منه؟ ولو أرادت المؤسسة تقديم عروض جديدة. متى أنسب وقت لهذه العروض؟ ومن أستهدف لهذا العرض ومن سأستهدف لذاك العرض؟ لو أرادت المؤسسة أن ترسل مسجات لعروضها.. فأي العروض التي يجب أن ترسله لهذا الزبون وأيهم سيكون أكثر جاذبية لذلك الزبون؟ هذه الأسئلة قد تقود إدارة مؤسسة لنجاح باهر. وقد تجعل منها مؤسسة عادية إذا ما تم تجاهلها. إذ إن أنظمة معالجة وتحليل البيانات المتعددة الأبعاد تساهم بتشكيل ودعم القرارات الإستراتيجية والمصيرية التي تؤدي لنجاح أو فشل المؤسسة.
الفكرة الأساس من البيانات المتعددة الأبعاد هي أشبه بمكعب. إذ إنه يحمل 6 أوجه. فلنعتبر إن كل وجه منه يحمل نوع من البيانات. مثلا واجهة للطالب. وواجهة لدرجات الإمتحانات وأخرى للزمن الذي جرت فيه الإمتحانات والفعاليات ورابعة لمعلمي هؤلاء الطلاب وخامسة للمواد الدراسية والأخيرة للمناهج الدراسية التي تتغير باستمرار لكل مادة. جميع تلك الأوجه متعلقة ببعضها. لكن أحيانا نحتاج لمعرفة تأثير المادة الدراسية على هذه المنظومة. فنقوم بقلب هذا المكعب لواجة المادة. فتترتب باقي البيانات وفقها لهذا.. فنقارن حينها تأثير مادة الرياضيات على كل هذه المنظومة ونستخلص نتائج ثم نعيد نفس العملية لمعرفة تأثير مادة العلوم واللغة العربية وهكذا. ثم تتم مقارنة وتحليل تلك النتائج. بعدها يستخلص نظام التحليل بطريقة الأبعاد المتعددة تلك تأثير أية مادة على كل طالب مثلا. ويمكننا معرفة الموهوبين في كل مادة. ويتم تحليل الطلاب ومستوى ذكاءاتهم ومهاراتهم بناء على المادة الدراسية. وهذا يساهم بشكل كبير في توجيه الطلاب لاختيار أي مسار دراسي مستقبلي. أو يساعد على رعاية مواهبهم. ثم نختار بعدا آخر لنقيسه.. مثلا المعلم.. فنستطيع قياس مدى تأثير كل معلم على كل طالب. ونستطيع قياس مدى نجاح المعلم مع كل صف دراسي ومع كل طالب ومع كل منهج. فبعض المعلمين تتناسب إمكانياتهم مع المناهج الخاصة بالصفوف الأولى وبعضهم للمناهج المتقدمة. وعند النظر لبعد الزمن.. نستطيع من خلال هذا التحليل أن نعرف أي الأوقات مناسبة للإمتحانات وأي الأيام أفضل. أو ما مدى نشاط الطالب في بداية العام الدراسي مقارنة بنهايته. أو ما مدى تفاعل الطلاب في أيام الأسبوع. أو هل سيكونون على إستعداد للدراسة بعد الاجازة الأسبوعية. كما يمكن للنظام معرفة مدى تحسن مستوى طالب محدد بعد مشاركته في البرامج العلاجية أو برامج رعاية الموهوبين. وعليه قس لجميع تلك الأبعاد.
هدفي من هذا المقال هو إعطاء صورة عامة عن هذه التقنية فقط. سأتطرق بشكل أوضح وأسهل مستقبلاً لبعض التطبيقات المفيدة لهذا المجال بشكل عملي لتبيان مدى حاجة مؤسساتنا لهذا النوع من التحليل.
ما هو طريف.. أن هذه الأنواع من الأنظمة يمكنها استنتاج تأثير الأمطار على عملية البيع. فالأمطار وأحوال الطقس عموماً تزيد من بيع سلع معينة بينما يقل الإقبال على غيرها. فبإمكان هذه الأنظمة التنبيه المسبق لتوفير السلع المتعلقة بكل موسم للأمطار لنيل ثقة ورضا الزبائن. لكن لم نجربها الى الآن في أن هل بإمكانها استنتاج رغبة الطلاب ومعلميهم بالغياب في الأيام المطيرة 😛 ؟