مفاهيم تربوية جديدة للعالم الافتراضي
مع بدء الإجازة الصيفية، أردت أن أكافئ أطفال الأسرة بجولة ترفيهية. كانت السيارة تغص بهم. اخترت أن أكون صامتاً وأسمع أحاديثهم التي هي محل اهتمامهم. بدؤوا يتحدثون عن مواضيع كثيرة، حتى دخلوا الى عالم الألعاب الإلكترونية.
هؤلاء الأطفال الصغار الذين لا نأتمنهم على بعض الدنانير لشراء شيء بسيط من البرادة القريبة من المنزل، أخذوا يتحدثوا عن شراء قصور وقلاع وجزر وتكلفة كل جزء من أجزاء تلك المنازل أو الجزر. ويتعاملون بعملات إلكترونية في اللعبة بمئات الآلاف. ويتحدثون عن خططهم لجمع مبالغ أكبر لتحقيق بعض طموحاتهم في اللعبة والتي لم يتمكنوا حتى لحظة الجولة الترفيهية من تحقيقها.
أثار ذلك دهشتي كثيرا. فهم يستطيعون الجمع والطرح بأرقام كبيرة. ويمتلكون لمهارة الادخار والتخطيط للمستقبل في تلك الألعاب. وهي مهارات يحتاجونها في حياتهم بشكل حقيقي. وبدأت أتساءل عن الضوابط المتوفرة في تلك اللعبة وهل لها تأثير على حياتهم أم لا. فهي مع ما فيها من إيجابيات، كذلك لا تخلوا من تعلمهم لحب الاستملاك والجشع والتفاخر بالرفاهيات.
ومما رأيته كذلك، اعلان لأحدهم يعرض فيه قلعة محصنة وذات تصميم راقي على احدى الألعاب الإلكترونية في العالم الافتراضي، يعرضها للبيع بـ20 دينار قابل للتفاوض!! وكنوع من الضمان للمشتري فانه سيسلمها مع الحساب والبريد الإلكتروني الذي عن طريقه تم فتح الحساب في اللعبة. لا زلت حقيقة لا أفهم.. هل أن الزمن سبقني ولم أعد أستطيع فهم التكنولوجيا الحديثة ولا مجاراتها أم أن هؤلاء يبالغون؟ ولا أعلم الى أين يتجه العالم الافتراضي مع ما يحمله من خفايا والى أين ينقل أبناءنا؟
مرة أخرى وبينما كنت جالساً مع أبنائي منشغلين كلٌ بهاتفه أو التابلت الخاص به، وإذا بهم يختلفون ويعتلي صراخهم فجأة ودون أية مقدمات. حاولت أن أستوضح الموضوع، وأعرف ما الذي يجري حواليّ. اتضح أنهم وأثناء لعبهم في إحدى الألعاب، اعتدى أحدهم على الآخر داخل اللعبة. وانتقل تأثير هذه الحادثة من العالم الافتراضي الى العالم الواقعي فتركوا أجهزتهم وبدأت خلافاتهم في الواقع.
العالم الافتراضي بدى أكثر وضوحا في مجاراته للعالم الحقيقي. وبدى أكثر مرونة. حيث أنك تستطيع تعويض اخفاقاتك في الواقع بإنجازات وهمية افتراضية. تستطيع أن تعوض عن ضعف شخصيتك في الواقع لتكون ملكاً في إحدى ألعابه الإلكترونية. تستطيع أن تمتلك مزارع وقصور في العالم الوهمي وتسكن مع كافة أخوتك في غرفة صغيرة في الواقع. تستطيع أن تحرر مدن وبلدان من قبضة معتدين غزاة، وأنت تختبئ خلف الستار من تكليفك الشرعي في الواقع.
عندما يتم الحديث عن العالم الافتراضي، فان صناع البرامج هذه يعتبرونها مشاريع تجارية تدر عليهم الأرباح الوفيرة من جراء شبكات إعلانية ضخمة بعضها يهدف لزرع توجهات في أطفالنا غير التي نوجههم لها. فهم بعيدون كل البعد عن القيم والمفاهيم التربوية. وإذا ما وجدت لعبة فيها بعض المُثل والأخلاقيات فتأكد أنهم يسوقون لها من هذا الباب لجني أرباح أعلى وليس لذات القيم والمثل كما نعتقد. وأن مسارها قد ينحرف في أية لحظة يريدون لها أن تنحرف.
يقول الإمام علي (ع): “لا تقسروا اولادكم على آدابكم فانهم مخلقون لزمان غير زمانكم” والمقصود منه أن لا نكره أولادنا على تعلم آداب تتناسب مع بيئاتنا ولا تتناسب مع بيئاتهم فجيلهم وبيئتهم تختلف عنا.. فيا ترى أية مفاهيم تربوية جديدة نحتاجها لجيل العالم الافتراضي هذا؟ وهل سنشهد استفتاءات وأحكام وأخلاق وقوانين تنظم عالم لا أساس له في الواقع؟