الرواتب العالية بين الحقيقة والخيال
موقع business insider الأمريكي المهتم بأخبار الأعمال والتكنولوجيا نشر مقالا عن الوظائف المتعلقة بمجال التكنولوجيا ذات الرواتب السنوية الأكثر زيادة خلال عام. مع أن الموقع يبرر الزيادات الكبيرة بأن الوظائف هذه جميعها تحتاج الى تعلم دائم وتدرب واكتساب مهارات جديدة. حيث أن مجال التكنولوجيا مجال متجدد دائما.. وأن ما هو مهم اليوم لا يكون مهما غدا إلا أن هذه الوظائف تعطي رواتب مجزية ومرتفعة. والشركات تزيد من رواتب موظفيها مع كل نجاح.
استعرض الخبر أكثر 8 مهارات ارتفع معدل رواتب موظفيها. ليس هدفي هو استعراض كم رواتبهم. فأقل راتب قرأته يزيد عن 3500 دينار – طبعا مثل رواتبنا في البحرين 🙂 – لكن هدفي هو استعراض تلك المهارات التي استطاعت أن تحتفظ على معدل رواتب مرتفع جداً.
لاحظت أن 4 مهارات من أصل 8 هي مهارات تم استعراضها في المقال تتعلق بالبيانات الضخمة (Big data). و3 مهارات تتعلق بالأنظمة السحابية. وكلا المجالين يحققان أرباحاً خيالية للمستثمرين.
البيانات الضخمة هي ما تحاول اقتصاداتنا في دول الخليج الاستفادة في رؤاها. الاقتصاد المبني على المعرفة هي من صلب رؤية البحرين 2030. المعرفة هي وليدة هذه البيانات الضخمة. البيانات الضخمة ناتجة من التعاملات الحكومية اليومية وموقع بوابة الحكومة الإلكترونية، البيانات الضخمة تنتج من الاتصالات وتعاملات الناس على الانترنت وزياراتهم للمواقع واستخدامهم للهواتف بالنسبة لشركات الاتصال، البيانات الضخمة تنتج عن بيانات الزبائن ومشترياتهم والعروض الناجحة والمناسبات والأحداث الاجتماعية بالنسبة لشركات البيع بالتجزئة. وهكذا. جميع هذه الحقول تنتج بيانات ضخمة يمكن تحليلها وسبر أغوارها للوصول للمعرفة والخروج بنتائج تدر بالأرباح الطائلة. أو تجعل من الحكومات قادرة على فهم مجتمعها المحلي وربطه مع المجتمع العالمي.. السياسي والاقتصادي والصناعي وكافة المجالات.
شركات الاتصال مثلاً تستطيع إيجاد العروض وتعرف مسبقاً أن هذه العروض ستجتذب أية فئة وتناسب أية فئة. هذه الاستنتاجات تأتي بعد دراسة البيانات الضخمة تلك. فتستطيع تلك النتائج أن تمنح الإداريين وفريق التسويق اقتراحات لعروض للأجانب وأخرى للشباب وثالثة للشركات ورابعة للعوائل. وجميعها تعود عليهم بمدخول كبير.
لكن هل تستطيع وزارات العمل كمثال آخر في بلداننا العربية أن تعطي تصور واضح عن احتياجات سوق العمل للخمس سنوات المقبلة بالتخصصات والأعداد المطلوبة؟ هل تستطيع نصح الطلاب المتخرجون من المرحلة الثانوية بالاتجاه لتخصصات محددة مطلوبة في السوق المحلية ليسلكوه في مساراتهم الجامعية؟ حق العمل مثلا حق مكفول لكل مواطن ومن واجب الدولة إيجاد فرص عمل تتحدى قدرات المواطنين. ومن حق المواطنين أن يجدوا مؤسسات تعليمية فاعلة قادرة على تأهيلهم لهذا التحدي. فهل هي متوفرة حقاً؟ لن نصل لمستوى تحقيق الطموح للاقتصادات القائمة على المعرفة دون رغبة حقيقية في التغيير. وهذه التخصصات الحديثة لها دور كبير في صناعة التغيير لو وجدت الإرادة لذلك. وكفانا شراء لأنظمة تكنولوجية خارجية لا نجيد حتى استخدامها وقد لا تتوافق مع خصوصية بلداننا. الدول الطامحة صاحبة الإرادة قادرة على انتاج أدوات تساعدها في نجاحها. وقادرة على إيجاد فرص عمل برواتب لا تقل عن تلك المذكورة في المجلات الإخبارية. نعيش التقشف ونقرأ عن رواتب مرتفعة في تلك المجلات. لهذا نسأل.. هل هي رواتب حقيقية أم خيال؟