عندما يكون جوجل عنصرياً
العنصرية ليست فقط ممارسة اجتماعية أو سياسية ضد فئات معينة. العنصرية قد تكون ثقافية. وفي موضوعنا اليوم قد تكون تكنولوجية. فهل التكنولوجيا يمكن لها أن تكون عنصرية؟ هل الآلات تستطيع ممارسة التمييز أو الظلم؟
لنحصر محور حديثنا في محرك البحث الأشهر.. جوجل. وسنتناوله من باب واحد.. وهو دعم جوجل للعنصرية أو التمييز. ولكي نصل لنتيجة يتعين علينا فهم طريقة عمل محرك البحث أولاً.
يعتمد محرك البحث جوجل على لوغريثمات (معادلات رياضية) ليكون أكثر ذكاءً. ذكاء محرك البحث يظهر بشكل جلي في عدة صور.. أهم تلك الصور هي التنبؤ بما تحاول البحث عنه. فتكتب أنت نصف الكلمة ليقوم جوجل بعرض بقية الكلمة. وعندما تقوم بكتابة كلمة من أصل جملة تريد البحث حولها. فانه يستطيع التنبؤ بها قبل إكمال الكلمة الأولى. وأحياناً يتم كتابة الكلمة بطريقة خاطئة، فيصححها جوجل ويظهر لك نتائج الكلمة المصححة.
صورة أخرى من صور الذكاء هي إيجاد الروابط والصفحات التي تحتوي على ما تريد البحث عنه فعلاً. وغالباً ما نجد ما نبحث عنه في النتائج الأولى من الصفحة الأولى للبحث. جميعنا يعلم أن الإنترنت قد يحتوي على مليون صفحة تتحدث عن العنوان الذي نبحث عنه. لكن لوغريثمات جوجل الذكية تستطيع فرز هذه الصفحات وإبراز أقرب النتائج التي يحتمل محرك البحث أن فيها ما تريده ليظهرها أولاً. بل أن حتى ترتيب نتائج البحث يعد ذكاءً.
جوجل ذكي بما فيه الكفاية لاختيار نتائج البحث وترتيبها بطريقة تساعد الباحث في الوصول لما يريده. لكن جوجل لديها أيضا أجندة وسلم أولويات. وقد تخضع لضغوط أو تتبنى سياسات معينة.. تجعل من ترتيب نتائج البحث تختلف عما تقترحه تلك المعادلات.
وقد يتفهم الباحث في جوجل إن كان سبب تقديم بعض النتائج هو الترويج لموقع ما أو صفحة معينة. ذلك لأن هذا يدر المال الوفير للشركة.. ويجعل من هذا المحرك “مجاني” بالنسبة للباحث. لكن ماذا لو كان السبب ليس الإعلانات. ولم تتوقف على مجرد تقديم أو تأخير الروابط. ماذا لو كان هناك تعمد في إخفاء معلومات أو بيانات. ماذا لو كانت نتائج البحث تدعم العنصرية وتغذي التمييز.
مثال أصبح مشهوراً ومنتشراً لأحد الباحثين بمحرك البحث جوجل، حيث كان يبحث عن صور عن طريق كلمات تتصف بالقبح.. فأظهر جوجل صور للسود. وبحث مرة أخرى عن صور بكلمات تتصف بالجمال فأظهر جوجل ذوي البشرة بيضاء.
قد لا يكون الخلل في المعادلات في هذه الحالة. وهو ما صرح به أحد مسؤولي جوجل في رده على هذه القضية. وهو رد أعتقد بصحته. ذلك لأن هذه المعادلات تتعلم عن طريق دراسة السلوك البشري في الإنترنت. وعليه فهو انعكاس لسلوكيات اجتماعية خاطئة مقصودة أو غير مقصودة.
لكن أتساءل.. ما الهدف من إخفاء بعض الحقائق على الإنترنت (الهولوكوست وما يتعلق باليهودية كمثال)؟ ما الهدف من حجب نتائج كثيرة تتعلق بحقائق تاريخية أو سياسية؟ ما الهدف من الترويج لعناوين غير صحيحة لكنها تخدم السياسة الأحادية في العالم؟ لماذا نجد شحاً في نتائج البحث عن بعض المواضيع؟ أترك الجواب للقارئ..
لكني سأطرح تساؤلاً جديداً.. ماذا لو قام جوجل أو غيره من محركات وشبكات اجتماعية بحجب أو استهداف ثقافة تتعلق بدينك أو طائفتك أو لغتك؟ جوجل حتى حين تلتزم في سياستها بالاعتدال.. فان الذكاء الاصطناعي يدرس سلوك المستخدمين حول العالم.. فماذا لو أن المال السياسي تم توظيفه في توليد نتائج ضخمة تؤثر بل تقلب قناعات الذكاء الاصطناعي.. فيجعل من محرك البحث يحاربك ولا يخدمك.. هل أعددنا أنفسنا لنقدم البديل أو مواجهة أزمات كهذه؟