حجي كاظم وصاحب الكرفتة
استوقفني قبل فترة من الزمن موقف لأحد “المتعلمين” الطموحين من ذوي ربطات العنق “الكرفتة” إذ أراد أن يفتح له مكتباً ويبدأ مشواره في الإسترزاق. كان ينظر فقط الى ميزانيته البسيطة التي يريد إستثمارها -فهو لا يريد هدرها على إيجارات مرتفعة أو ما شابه- وخبرته في مجال عمله. بحث عن “محل” ليستأجره ويكون مقراً لمكتبه. وعندما وجد ذلك المحل بالايجار المناسب إلتقى مصادفة بـ”حجي كاظم”. سأله الحاج كاظم عن طبيعة نشاط المكتب الذي يريد صاحب الكرفتة والمتعلم افتتاحه. أخذ صاحب الكرفتة يتكلم عن مشروعه لمكتب هندسي وطموحه الكبير فرد عليه حجي كاظم “حوله لخباز أحسن ليك”. طبعاً لم يأخذه صاحب الكرفتة هذا الكلام بالجدية. ومن باب الإحترام ظل يستمع لحجي كاظم. فقال حجي كاظم: المحل قريب من مدرسة ومن مسار طلبتها ويجانب مطعماً معروفاً. وقريب من منطقة سكنية ذات كثافة سكانية عالية. كما أن أقرب خباز يقع على بعد كذا متر. فاجعله خبازاً لتنجح. مرت الشهور ليعلن صاحب الكرفتة استسلامه. وتذكر كلام حجي كاظم بعدما استنزف ميزانيته تلك.
فكرة حجي كاظم هي عينها إحدى مجالات تطبيق أنظمة المعلومات الجغرافية GIS. أنظمة المعلومات الجغرافية هو نظام يهتم بتخزين ومعالجة وإدارة وعرض كافة البيانات المتعلقة بالأمكنة الجغرافية بأي شكل من أشكالها. وله العديد العديد من التطبيقات المفيدة جداً. ولعل أشهرها هي أنظمة الملاحة والخرائط (GPS maps) المتوفرة في هواتفنا.
نظام الـGIS يستخدم تقنيات رقمية حديثة ويتلاقى مع الذكاء الاصطناعي في الكثير من مجالاته. مجالات استخدامه تتوزع على كافة الأصعدة. في الصحة مثلاً يساعد على فهم خرائط إنتشارالأمراض الوراثية ومدى تأثير تلك البيئة على هذه الأمراض وكيف تتم مواجهتها. أو تساهم في الكشف عن أسباب انتشار مرض. أو رسم خطط للتطعيمات اللازمة للأطفال. يستخدم أيضا في مجال الإتصالات. فهو يعطي إقتراحات لخرائط تثبيت نقاط الإرسال وتوزيعها على المناطق ويحدد الأولويات ويقترح زيادة وتقوية الإرسال في الأماكن التي يزداد فيها الضغط في الإتصالات. في مجال التخطيط المدني، فانه يعطي قراءة للنمو السكاتي وتوسع المدون والمقترحات المثلى لتحديد أماكن توفر الخدمات وتقدير التكلفة والعوائد من توفير الخدمة هنا أو هناك. كمثلا تحديد موقع المدارس ومحطات النقل العام وأماكن التزود بالوقود ويحدد المناطق الصناعية المثلى والمناطق الأفضل للزراعة ومحاربة التصحر وإدارة أفضل للموارد الطبيعية كالنفط والمياه وما تحتويه الأرض. للمزيد زر هذا الرابط. ما يهمنا الآن هو كيف أن أنظمة المعلومات الجغرافية تساند وتدعم ما قاله حجي كاظم لصاحب الكرافتة.فالسؤال عن المنطقة الأفضل لبدء مشروعي مهما كان مجاله.
تقوم أنظمة المعلومات الجغرافية بدراسة إعتبارات كثيرة قبل تحديد المنطقة الأفضل لكل مشروع. منها مثلا الفئة المستهدفة من المشروع. فاذا كانوا زبائنك ينتشرون في جهة بشكل مكثف فإنه يعطيها الأولوية. وهذا ما وجدناه مثلا عندما افتتحت مجمعات وسوبرماركتات كبرى عند مناطق تجارية كمنطقة السيف والمنطقة المحاذية للسنابس والديه. ثم بعد قراءتهم لأماكن انتشار زبائنهم بدؤا بفتح فروع ومجمعات في محاذاة المناطق السكنية في أرجاء البلد.
هذا من ناحية توزع الفئة المستهدفة. وتوجد نواحي أخرى كثيرة، مثل توفر الخدمات الأساسية التي يحتاجها المشروع لينجح كمحطة التزود بالبنزين أو خط مرور الحافلات أو قرب الأسواق الشعبية. وبعضها يحتاج لبيئة عمل خاصة كمصادر المياه أو ميناء أو مطار. وبعضها ينجح بوجود تكتل لهذا النشاط في المنطقة نفسها. وبعضها يحتاج أن يكون منفرداً بتقديم هذه الخدمة في المنطقة. جميع هذه البيانات توفرها أنظمة الGIS بلمسة زر واحدة لتعطيك خبرة الحاج كاظم الذي توصل إليها بعد هذه السنين من العمر ولا يقتصر المسح الذي ستقوم به أنظمة المعلومات الجغرافية على حدود المنطقة التي يسكنها حجي كاظم فقط. فطالما أن للمكان أهمية ودور في أي موضوع من مواضيع الحياة فإن دور هذه الأنظمة أيضا مهم.
2 فبراير، 2016 @ 6:57 م
الموضوع واجد حلو، يعطيك العافية أبا حسين
2 فبراير، 2016 @ 7:10 م
تسلم أبو نوفل..وشكرا لمتابعتك المنتظمة☺