التعلم الإلكتروني وتناقض التوجهات
في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات إلى زيادة كبيرة في شعبية التعلم الإلكتروني قد تصل إلى تضاعف النسبة سنوياً في بعض البلدان (بمعدل زيادة سنوية أكثر من 55% في الهند مثلاً و52% في الصين وبنسب متفاوتة في بلدان أخرى)، وفي الوقت الذي تعلن فيه وزارة التربية والتعليم عن توجهاتها في التوجه أكثر نحو التعليم الإلكتروني بمشاريعها المتلاحقة والذي كان آخرها مشروع التمكين الرقمي… في الوقت ذاته تتجه الوزارة نفسها برفض معادلة وقبول أي مؤهل معتمد أونلاين مهما كانت مصداقيته وشروطه. لا أعني بالمؤهلات هي تلك الدورات الصغيرة المعتمدة عالمياً والتي يتم تقديم امتحاناتها أونلاين. بل الدبلوم والبكالريوس ومؤهلات التعليم العالي التي تصل للدكتوراة.
في الوقت الذي تشجع فيه الشركات موظفيها على التدرب وتطوير الذات بالاعتماد على الدورات الإلكترونية التي تتيح لهم ممارسة وظائفهم بكاملها وجميع مهامهم الوظيفية والاكتفاء بالتدرب في أوقات مرنة من أوقات فراغ الموظف، فان الشركات نفسها قد لا تقبل أي مؤهل صادر من خلال التعلم الإلكتروني في بداية التوظيف.
لم أجد معيار حقيقي يمكن لهم تفريق مستويات المتخرجين من الدراسات التقليدية والإلكترونية. بل أن الإلكترونية أحيانا تكون أفضل في مخرجاتها إذ تعطي مساحة كبيرة للطالب بالبحث والتعلم ذاتيا ليرتقي بنفسه. وبهذا يكون ممارساً للعلم وليس فقط متلق له.
هذا التناقض في قبول المؤهلات العلمية الإلكترونية قد لا تعيشه كبريات الشركات العالمية.. فمثلاً شركات كمايكروسوفت وأوراكل وجوجل وفيسبوك وغيرها ليست فقط ممن بادر بإنشاء مناهج إلكترونية ودورات ذات اعتمادية عالية ومصداقية كبيرة. وليست فقط ممن استثمر في مجال التعليم الإلكتروني. بل تعدى ذلك إلى توظيف المؤهلين بمؤهلات إلكترونية في طاقمها. فهذه الشركات لا تدعو المتخصصين للدخول لدوراتها المعتمدة لديها فقط كوسيلة للترويج لمنتجاتها وتسويقها. بل قامت بتصميم مؤهلات علمية إلكترونية بالتعاون مع جامعات متميزة علمياً في مجالات غير مجال منتجاتها لتغطي احتياجاتها واحتياجات سوق العمل من الموارد البشرية. فسر نجاح تلك الشركات هو في أنها تبني مواردها البشرية من قبل توظيفهم حتى، من تعليمهم وتدريبهم على الأدوات والمهارات القادرة على تنفيذ مخططات الشركة المستقبلية واستثماراتها الضخمة. بينما حكوماتنا ووزاراتنا والشركات الكبرى في بلداننا لا زالت ومنذ تأسيسها تعتمد على سياسة استيراد الموارد البشرية واستيراد الاستثمارات واستيراد الخطط واستيراد المناهج واستيراد التكنولوجيا واستيراد كل شيء.
كتجربة خاصة، درست مادة دراسية في احدى الجامعات في البحرين، وتم اجتيازها. ولم أكن بالمستوى الذي كنت أطمح له في مجال هذه المادة الدراسية. فأخذت المادة نفسها عن طريق الدراسة أونلاين بالتسجيل في احدى الجامعات العالمية. لا أستطيع القول بأن هناك فارق شاسع بينهما فقط. لأن في هذا ظلم واجحاف. فالمادة العلمية المقدمة في هذا الكورس الإلكتروني متقدمة جداً. كما أن جميع فيديوات المحاضرات تفاعلية وتتخللها أسئلة. وطبعا جميع الأسئلة تستهدفني وحدي ولا بد لي لإجابتها وإلا ما استطعت إكمال الفيديو. الفيديو أيضا يرافقه نص مكتوب. والأسئلة تقيس الفهم لا الحفظ. فمن ناحية الحفظ فان جميع التعريفات والمعادلات وغيرها مذكورة ويمكن لك الاضطلاع عليها. لكن يتم أحيانا سؤالك سؤال بسيط ولكي تجيبه تحتاج لتطبيق كل ما فهمته وتقوم بحسابات معقدة وأحيانا لإعداد أكواد برمجية طويلة لتتوصل للجواب فتجيبه وتتخطى للخطوة التي تليها. كما أن نظام التقييم دقيق جداً.. فمع محدودة عدد الأسئلة في كل امتحان إلا إنه يشغل المتعلم بتوظيف المادة العلمية. ولا ينتهي المتعلم إلا ومعه كومة من الأكواد والبرامج والأدوات التي قام بإنتاجها وهو يتعلم. فحقيقة كنت أشعر بأنني فعلا بأني بعد هذا الكورس لم أكن كما قبله. وأني مستعد لأي تحدٍ تفرضه على سوق العمل في مجال الدورة تلك.
في مقارنة سريعة لبعض برامج الماجستير في تخصصات علوم الكمبيوتر، قمت بمقارنة برامج الماجستير لجامعات تقليدية ولبعض البرامج المتوفرة أونلاين.. وجدت أن المقارنة تصب مع فارق كبير جداً في صالح التخصصات النوعية للمؤهلات الإلكترونية. بعض المؤهلات العلمية لدرجات الماجستير الإلكترونية مبنية على برامج لها ثمارها عالميا وحققت نجاحات في استثمارات ضخمة وقادرة على قيادة السوق واحتياجاته وتتبناها شركات وجامعات عالمية وتنصح بها. لكن يبقى أن وزنها الحقيقي في مؤسسات الدول هنا وحكوماتها وشركاتها لا زالت متأخرة في حتى معادلتها واعتمادها كمؤهل علمي. ونحتاج لوقت طويل ليحدث التغيير المرجو في النظرة العامة لحملة هذه المؤهلات.
4 أغسطس، 2016 @ 4:37 م
احسنت ??