دمقرطة التقنيات
كثير من التقنيات تكون مفيدة جداً لكنها لا تنتشر بالمقدار الكافي الذي يعكس حاجة الناس لها. ونجد في المقابل بعض التقنيات ذات فائدة وحاجة أقل ومع ذلك تكون واسعة الانتشار والاستخدام.
لست في صدد الحجيث عن اسباب هذه الظاهرة التي يمكن دراستها من زوايا عديدة كعامل التسويق وعامل تضارب المصالح مع الشركات الكبرى أو المنتجات ذات الاسم الكبير. لكن سأحصر حديثي هنا على عامل وحيد مهم ومؤثر.. وهو توفر الأدوات الانتاجية لهذه التقنية.
طرحت جوجل في مؤتمرها الأخير رؤيتها المستقبلية لها كشركة ولمستقبل التكنولوجيا بشكل عام. اذ ان جوجل تعتب احد رواد التكنولوجيا وصناعه. كان الحديث عن سلم أولوياتها. فذكرت ان الهواتف الذكية كانت الأولوية الأولى لها خلال الفترة الأخيرة. وفعلا، نستطيع جميعاً لمس مدى نجاحها من خلال هيمنة نظامها -أندرويد- على السوق لسنين عديدة وحتى كتابة هذا المقال. واستطاعت كشركة تسويق جميع منتجاتها وتطبيقاتها من خلال هذا النظام. إلا أن الهواتف لم تعد في قمة اولويات الشركة. فقد طرحت الشركة عبر رؤيتها الجديدة “الذكاء الاصطناعي أولاً”.
جوجل وعبر اتخاذها سلسلة من الخطوات من قبيل جعل نظام اندرويد مفتوح المصدر وعبر توفير أدوات انتاج التطبيقات للشركات والافراد كمبرمجين ومطورين وعبر توفير العديد من الخدمات المجانية لهم أو بسعر مخفض ومقبول في بعض الحالات، استطاعت جذب الكثير منهم واستقطابهم وجعلتهم بمثابة “شركاء” لها في دعم منتجاتها وبالخصوص نظام الأندرويد. مما شجع شركات كبرى على التعاقد معها واعتماد تقنياتها. شركة كسامسونج وإلجي وهواوي والقائمة تطويل أصبحت من الشركات حسنة الصيت عالمياً بفضل شراكاتها مع جوجل.
جوجل فيما يبدو تحاول تكرار نفس الخطوات لكن هذه المرة في مجال الذكاء الاصطناعي. ففي مؤتمؤها طرحت رؤيتها بجرأة ووفرت بعض الأدوات التي من شأنها أن تختصر عملية الولوج في مجال انتاج تطبيقات ومنتجات تعتمد على الذكاء الاصطناعي حتى للأفراد وللمبتدئين. هذا ما أسمتها بعملية “دمقرطة الذكا الاصطناعي”.
بيئة عمل تسمى تنسرفلو “TenserFlow” هي بيئة تضم العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي، طرحته جوجل كمثال لبيئات العمل التي ستساعد المهتمين على تقديم تطبيقات أكثر ذكاء. مع وجود بدائل غيرها من الفيسبوك ومن شركة أمازون، إلا ان نمط ترويج جوجل لأدواته محبب ومقرب للكثير من الشركات والأفراد بمختلف مستوياتها. ولهذا لا اتوقع أن تفشل جوجل في عملية مشاركتهم لها في اعتماد تقنياتها.
ومع ان المستفيد الأكبر هنا هو جوجل، لكن كمطور للتطبيقات لا أمانع أن تستفيد شركة أخرى اذا ما استطعت من خلال خدماتها أن أقدم خدمات أفضل لزبائني وبجهد أقل.
يقول الإمام علي (ع) المال تفنيه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق”، هو نفسه المقصود بدمقرطة التقنيات. انشره، اجعل الجميع يستخدمه، فيكون الجميع مساهم في تقويمه ونجاحه وتقدمه. هذه سياسة جوجل إلا ان جوجل مع نشره تكون هي الرابح الاكبر حيث تظل حقوقه عندها وحدها وتضرب بنجاحها جميع الشركات المنافسة.