تغيير المستقبل بناء على التوقعات
في علم البيانات (data science)، التخمينات أو التوقعات أو Predictions أو سمِّها ما شئت هي مجموعة من الطرق التي تقرأ البيانات المتوفرة في قاعدة البيانات لتعطي قراءة مستقبلية تدعم الشركات أو الأفراد في اتخاذ قراراتهم بشكل صحيح وعلمي دقيق.
التوقعات تبقى من اسمها مجرد توقعات. فهي تتحدث عن أمر في المستقبل. والمستقبل دائما ما يكون مجهولاً ويتأثر بمتغيرات طارئة تقلب جميع نتائج التوقعات. بل أحيانا يكون الهدف من هذه التوقعات هو تغيير ما يمكن أن يحدث مستقبلاً.
أرجو ألا يفهم كلامي هذا على أني اتحدث في الشرع والمشيئة الإلهية. ولتتضح الصورة سأضرب مثال يوضح فكرة التوقعات وتغيير ما يمكن تغييره.
في المؤسسات التجارية.. يفرز اخصائيو تحليل البيانات مبيعات المؤسسة بحسب الزمن مثلاً. ثم يتم تقسيم المبيعات بحسب الأشهر. أو بحسب ساعات اليوم بما تقتضيه الحالة. ثم يتم قراءة كافة البيانات وفق المعيار الذي تم وضعه. بعدها يتم تمثيل هذه البيانات في رسم بياني يوضح وبشكل جلي جداً أن المبيعات تزداد في فصل الصيف مثلا وتقل في فصل الشتاء. وتزداد المبيعات في الفترة المسائية مثلا وتقل كثيرا في الفترات الصباحية. ثم وباستخدام بعض المعادلات الرياضية.. يقوم النظام بتخمين المبيعات المستقبلية في الفترة الصباحية والمسائية أو في فصول السنة. وهذا نجده من بديهيات الإدارة الناجحة. فحتى في المحلات الصغيرة التي لا تستخدم أنظمة محاسبة تجد أن من يديرها يدرك تماماً حجم الإقبال على المحل في هذه الفترات. والهدف من هذا النوع من التوقعات هو أتمتة الخبرة في إدارة المؤسسات والاعتماد على الآلة أكثر في عملية تسيير وإدارة شؤون الشركات.
وفي الحديث عن إمكانية تغيير المستقبل بناء على أنظمة التخمين هذه، فهي بمثابة إنسان يتوقع الفشل مثلاً إذا استمر على هذا الحال فيقرر تغيير نفسه وبالإرادة والسعي يصل للنجاح. كذلك تفعل أنظمة التخمين. فهي على سبيل المثال تستطيع تخمين فترة الركود في المبيعات. وعليه تقترح على قسم التسويق بإدارة حملات تسويقية لتفادي ذلك الركود. كما أن أنظمة التخمين لا تقتصر فقط على اقتراح حملة إعلانية في فترة الركود. بل بإمكانها تصنيف الزبائن عن طريق دراسة سلوكياتهم ومقدرتهم الشرائية واهتماماتهم. وبالتالي يمكن تخمين الزبائن المحتملين لهذا العرض التسويقي وكيف تخاطب اهتماماتهم لجذبهم. وعليه فان الهدف من التخمين ليس الاستسلام لطبيعة المبيعات في الشركة. بل لتحدي الركود وتحريك المبيعات وزيادتها.
جميع أنظمة التخمين هذه ذكية بما يكفي لتعطي قراءات دقيقة. مع أن اللوغريثمات والمعادلات الرياضية المستخدمة فيها تتفاوت قوتها ودقتها وقدرتها على الخروج بنتائج فاعلة. إلا أن هناك أيضا معادلات تقوم بمقارنة كفاءة كل معادلة من تلك المعادلات وتحكي عن نسب الثقة ونسبة الخطأ في كل منها. وتوجد آليات لتحسين أدائها بالتجربة المستمرة. مما يجعل من عملية التخمين عملية يمكن الوثوق بها والبناء عليها.
التوقعات مجالاتها واسعة ولا تنحصر بالمؤسسات التجارية. ففي عالم السياسة، نجد أن جميع من بنى على نتائج توقعات الانتخابات الأمريكية قد خابت ظنونه. التوقعات الرسمية في الانتخابات تكون عادة مبنية على 20% أو أقل من الناخبين المستهدفين. ونجد كذلك تغير في نتائج التوقعات بعد كل مقابلة بين المرشحين أو حدث مؤثر. عدم استقرار نتائج التوقعات وتغيرها السريع يقلل من نسبة الثقة في النتائج. كما أن لوغريثمات جوجل (التي تستمد بياناتها من الشبكات الاجتماعية) وبعض الشركات الخاصة كانت معاكسة لنتائج التوقعات الرسمية المنتشرة في الإعلام. وعليه فان التعويل على نتائج التوقعات مخالف لأبجديات علم البيانات والتحليل. وليحصد كل إمرء مما زرع. 🙂