تكنولوجيا مراقبة المكالمات
سمعنا كثيراً ومن عدة أفراد مواقف أثناء اجراء مكالمات هاتفية تفيد سماعهم لأصوات خارجية ليست من طرفي المتصل ولا المتصل إليه. ويفسرون ذلك على أنه تنصت أو مراقبة لاتصالاتهم. فهل حقاً هذه الأصوات تنتج نتيجة للتنصت على المكالمات؟ وتقنيا، ما هي الطرق التي تمكنهم من التنصت؟
سماع هذه الأصوات أثناء اجراء المكالمات ليس بالضرورة ناتج عن التنصت على المكالمات. فقد يكون تداخل في الأصوات أو في المكالمات. وقد يكون تنصت. لكن لنفترض أنه في بلد التنصت على المكالمات مقنن بشكل رسمي مثل الولايات المتحدة وحتى دولنا، فهل يعقل أن يتم مراقبة كل مكالمة من قبل موظف لديهم؟ كم موظف سيحتاجون إليه فقط لمراقبة الاتصالات؟ وهل يعقل أنهم يهتمون لمتابعة كافة أنواع المحادثات وكل المواضيع وتفاصيل حياة كل فرد؟ إذاً كيف تتم مراقبة الاتصالات؟ وما الذي يراقبونه بالضبط؟
أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تقدمها لمهندسي الصوتيات تتيح كافة التقنيات التي تحتاجها الجهات الرقابية لمراقبة كافة الخطوط المطلوب مراقبتها دون أن يصدروا صوتاً يسمعه المتحدث ودون أن يشعر بوجود جهة رقابية عليه. وبعدد خطوط وهواتف غير محدودة سواء للمطلوبين أمنياً وقضائياً مثلا أو لقرية أو مدينة أو لشعب كامل أو عدة شعوب لعدة بلدان. لن أتحدث عن التجهيزات المادية التي تحتاجها الجهة الرقابية. بل الى طبيعة هذه الأنظمة وإمكانياتها.
فانه إجمالا يتم مراقبة جميع المحادثات بكل حيثياتها وان كانت جميع المكالمات تسجل ويحتفظ بها لأعوام. فالجهات الرقابية تهتم كثيرا بتحديد طبيعة المواضيع التي يتم تداولها. نعم للأنظمة الذكية القدرة على التعرف على موضوع النقاش. حقيقة لم تصل – حسب علمي – هذه الأنظمة على القدرة على تحديد كافة مواضيع النقاش وبكل اللغات واللهجات المحلية في العالم. لكن تستطيع انتقاء ما يهم الجهات الرقابية. فمثلا يتم تعليم الآلة أو النظام على لفظة “إرهاب” بكل اللهجات واللغات المحتملة. ثم وبمجرد النطق بهذه الكلمة يتم تنبيه الجهة الرقابية. وقد يكون الأمر بهذه الطريقة فقط ليس باليسير على الجهة الرقابية. اذ ان هذه الكلمة المحددة يتحدث عنها القاصي والداني. المعارضون لها يستخدمونها أحياناً أكثر من الذين يمارسونها. لكن مع وجود إحصائية عن عدد تكرارها في الموضوع الواحد أو لدى الشخص الواحد وعن ربطها بكلمات رديفة أخرى عن نفس الموضوع كأسماء المناطق والشخصيات التي تتحسس لها الجهات الرقابية. حينها ستتمكن الجهة الرقابية من تقليل العدد ليحصروا المراقبة في أشخاص أو جهات معينة.
كما أن مستوى الرقابة يختلف باختلاف المهمة المطلوبة. أي مراقبة كافة الخطوط أو حتى برامج التواصل الاجتماعي لعموم الناس هو أمر. ومراقبة المطلوبين مثلا أمر آخر.
فلدى الجهات الرقابية أهمية كبرى بتحديد هوية المتحدث. وتساعد هذه الأنظمة على التعرف على هوية المتحدث إما عن طريق هوية شريحة الاتصال أو الهاتف أو حتى من الصوت. بعض المستهدفين من الجهات الرقابية يلجأ لتغيير شريحة الهاتف ويحرص أن تكون باسم شخص آخر. لكن هذا لن يكفي. فحتى لو تحدث هذا الشخص المطلوب من أي هاتف أرضي كان أم خلوي، هاتف قديم أم ذكي، فلهذه الأنظمة القدرة على معرفة نبرة صوته. وبالتالي التعرف على هويته وتنبيه الجهة الرقابية بذلك. كما أنه من السهل عليهم تحديد موقع المتحدث. حتى لو كان مستخدما هاتفاً قديماً لا يدعم خاصية تحديد المواقع. فهم يتتبعونه عن طريق أقرب نقطة ارسال لشركة الاتصال تتصل بهاتفه حتى لو لم يكن متصلاً أو مستخدماً للهاتف. وعن الأجهزة الذكية، فبإمكانهم ارسال رسائل “هادئة” – silent SMS – لأي هاتف لتحديد موقعه والحصول على بعض المعلومات دون معرفة صاحبه. كما أن هذه الأنظمة لا تعمل على تحليل صوت المتحدث فقط. بل لديها القدرة على تحليل بيانات المرافقين للمستهدف. حيث أن المايك في الهاتف يستطيع التقاط محادثاتهم البينية والتعرف عليهم أثناء الاتصال أو أي وقت آخر.
يطول الحديث عن طرق المراقبة. ونكتفي بهذا القدر. فهل بعد هذا يمكننا الحديث عن الحريات في العالم أجمع؟ هل هناك خصوصية بعد استخدامنا لهذه التكنولوجيا؟ الحديث عن الخصوصية والحريات الشخصية عبث أمام ما هو موجود وما هو مخطط له.